فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِيَّتَهُمْ}.
اختلف في الذين أخرجهم وأخذ ذلك عليهم على قولين:
أحدهما: أنه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد وجعل فيها من المعرفة ما علمت به من خاطبها. واختلف من قال بهذا هل كان ذلك قبل نزوله إلى الأرض على قولين:
أحدهما: أنه كان في الجنة قبل هبوطه إلى الأرض.
والثاني: أنه فعل ذلك بعد هبوطه إليها.
والقول الثاني: في الأصل أنه خلق الأرواح والأجساد معًا وذلك في الأرض عند جميع من قال بهذا التأويل.
فعلى هذا فيه قولان:
أحدهما: أنه أخرجهم كالذر وألهمهم هذا فقالوه، قال الكلبي ومقاتل: وذلك أن الله مسح ظهر آدم بين مكة والطائف فخرج من صفحة ظهره اليمنى ذرية كالذر بيض، فهم أصحاب الميمنة. وخرج من صفحة ظهره اليسرى ذرية كالذر سود، فهم أصحاب المشأمة، فلما شهدوا على أنفسهم جميعًا من آمن منهم ومن كفر أعادهم.
والثاني: أنه أخرج الذرية قرنًا بعد قرن وعصرًا بعد عصر.
وفي {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} قولان:
أحدهما: هو أنه دلهم على أنفسهم بما شهدوه من قدرته، قاله بعض المتكلمين.
والثاني: هو إشهادهم على أنفسهم بما اعترفوا من ربوبيته ووحدانيته. وفيه على التأويل قولان:
أحدهما: أنه قال ذلك للآباء من بني آدم حين أخرج من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ليعلمهم أنه خلق ذرياتهم بعد أن لم يكونوا كان هو الخالق لهم لأنهم كانوا ذرية مثلهم لمن تقدمهم كما صار هؤلاء ذرية لهم فاعترفوا بذلك حين ظهرت لهم الحجة، قاله ابن بحر.
والقول الثاني: أنه قال ذلك للذرية حين أخذهم من ظهور آبائهم، وهذا قول الأكثرين فعلى هذا فيه قولان:
أحدهما: أنه قال لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} على لسان الأنبياء بعد أن كملت عقولهم.
والثاني: أنه جعل لهم عقولًا علموا بها ذلك فشهدوا به على أنفسهم. وفي أصل الذرية قولان:
أحدهما: لأنهم يخرجون من الأصلاب كالذر.
والثاني: أنه مأخوذ من ذَرَأ الله الخلق إذا أحدثهم وأظهرهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك} الآية، التقدير واذكر إذ أخذ وقوله: {من ظهورهم} قال النحاة: هو بدل اشتمال من قوله: {من بني آدم}، وألفاظ هذه الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم من ظهورهم وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظة وتواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عباس وغيرهما أن الله عز وجل لما خلق آدم وفي بعض الروايات لما أهبط آدم إلى الأرض في دهناء من أرض السند قاله ابن عباس، وفي بعضها أن ذلك بنعمان وهي عرفة وما يليها قاله أيضًا ابن عباس وغيره، مسح على ظهره وفي بعض الروايات بيمينه وفي بعض الروايات ضرب منكبه فاستخرج منها أي من المسحة أو الضربة نسم بينه ففي بعض الروايات كالذر وفي بعضها كالخردل وقال محمد بن كعب: إنها الأرواح جعلت لها مثالات، وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس وجعل الله لهم عقولًا كنملة سليمان وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره» فأقروا بذلك والتزموه وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية، فشهد بعضهم على بعض، قال أبيّ بن كعب وأشهد عليهم السماوات السبع فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلا وقد أخذ عيله العهد في ذلك اليوم والمقام، وقال السدي أعطى الكفار العهد يومئذ كارهين على وجه التقية.
قال القاضي أبو محمد: هذه نخيلة مجموع الروايات المطولة، وكأن ألفاظ هذه الأحاديث لا تلتئم مع ألفاظ الآية، وقد أكثر الناس في روم الجمع بينهما فقال قوم: إن الآية مشيرة إلى هذا التناسل الذي في الدنيا، و{آخذ} بمعنى أوجد على المعهود وأن الإشهاد هو عند بلوغ المكلف وهو قد أعطي الفهم ونصبت له هذه الصنعة الدالة على الصانع، ونحا إلى هذا المعنى الزجّاج، وهو معنى تحتمله الألفاظ لكن يرد عليه تفسير عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما الآية بالحديث المذكور، وروايتهما ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وطوّل الجرجاني في هذه المسألة ومدار كلامه على أن المسح وإخراج الذرية من أظهر آدم حسب الحديث، وقيل في الآية أخذ من ظهورهم إذ الإخراج من ظهر آدم الذي هو الأصل إخراج من ظهور بنيه الذين هم الفرع إذ الفرع والأصل شيء واحد، إلى كلام كثير لا يثبت للنقد، وقال غيره: إن جميع ما في الحديث من مسح بيمينه وضرب منكبه ونحو هذا إنما هي عبارة عن إيجاد ذلك النسم منه، واليمين عبارة عن القدرة أو يكون الماسح ملكًا بأمر الله عز وجل فتضمن الحديث صدر القصة وإيجاد النسم من آدم، وهذه زيادة على ما في الآية، ثم تضمنت الآية ما جرى بعد هذا من أخذ العهد، والنسم حضور موجودون هي تحتمل معنيين أحدهما ن يكون أخذ عاملًا في عهد أو ميثاق تقدره بعد قوله: {ذرياتهم} ويكون قوله: {من ظهورهم} لبيان جنس النبوة إذ المراد من الجميع التناسل ويشركه في لفظة بني آدم بنوه لصلبه وبنوه بالحنان والشفقة ويكون قوله: {من ذرياتهم} بدلًا من {بني آدم}، والمعنى الآخر أنه لما كانت كل نسمة هنالك لها نسبة إلى التي هي من ظهرها كأن تعيين تلك النسبة أخذ من الظهر إذ ستخرج منه فهي المستأنف فالمعنى وإذ عينوا بهذه النسبة وعرفوا بها فذلك أخذ ما و{أخذ} على هذا عامل في {ذرياتهم} وليس بمعنى مسح وأوجد بل قد تقدم إيجادهم كما تقدم الحديث المذكور، فالحديث يزيد معنى على الآية وهو ذكر آدم وأول إيجاد النسم كيف كان.
وقال الطرطوشي إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وهو قد نسيه إلى غير هذا مما ليس بتفسير ولا من طريقه.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: {ذرياتهم} جمع جمع وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: {ذريتهم} والإفراد هنا جمع وقد تقدم القول على لفظ الذرية في سورة آل عمران.
وروي في قصص هذه الآية: أن الأنبياء عليهم السلام كانوا بين تلك النسم أمثال السرج وأن آدم عليه السلام رأى داود فأعجبه فقال: من هذا؟ فقيل: نبي من ذريتك فقال: كم عمره؟ فقيل ستون سنة، فقال زيدوه من عمري أربعين سنة فزيدت قال: وكان عمر آدم ألفًا فلما أكمل تسعمائة وستين جاء ملك الموت فقال له آدم بقي لي أربعون سنة فرجع ملك الموت إلى ربه فأخبره فقال له قل له إنك أعطيتها لابنك داود فتوفي عليه السلام بعد أن خاصم في الأربعين، قال الضحاك بن مزاحم: من مات صغيرًا فهو على العهد الأول ومن بلغ فقد أخذه العهد الثاني يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن، وحكى الزجاج عن قوم أنهم قالوا إن هذه الآية عبارة عن أن كل نسمة إذا ولدت وبلغت فنظرها في الأدلة المنصوبة عهد عليها في أن تؤمن وتعرق وتعرف الله، وقد تقدم ذكر هذا القول وهو قول ضعيف منكب عن الأحاديث المأثورة مطرح لها.
وقوله: {شهدنا} يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض أي شهدنا عليكم لئلا تقولوا يوم القيامة غفلنا عن معرفة الله والإيمان به فتكون مقالة من هؤلاء لهؤلاء، ذكره الطبري، وعلى هذا لا يحسن الوقف على قوله: {بلى} ويحتمل أن يكون قوله: {شهدنا} من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله: {بلى}، قال السدي: المعنى قال الله وملائكته شهدنا، ورواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ السبعة غير أبي عمرو: {أن تقولوا} على مخاطبة حاضرين، وقرأ أبو عمرو وحده، {أن يقولوا} على الحكاية عن غائبين وهي قراءة ابن عباس وابن جبير وابن محيصن والقراءتان تتفسر بحسب المعنيين المذكورين، و{أن} في موضع نصب على تقدير مخافة أن. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم}.
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان» ونعمان قريب من عرفة ذكره ابن قتيبة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذَّر، ثم كلَّمهم قِبَلًا وقال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنَّا كُنَّا عن هذا غافلين} ومعنى الآية: وإذا أخذ ربكم من ظهور بني آدم.
فقوله: {من ظهورهم} بدل من {بني آدم}.
وقيل: إنما قال: {من ظهورهم} ولم يقل من ظهر آدم، لأنه أخرج بعضهم من ظهور بعض، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لأنه قد علم أنهم بنوه، وقد أُخرجوا من ظهره.
وقوله تعالى: {ذُرِّيَّاتهم} قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {ذُرِّيَّتَهُم} على التوحيد.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {ذُرِّيَّاتهِم} على الجمع.
قال أبو علي: الذُّرِّية تكون جمعًا، وتكون واحدًا.
وفي قوله: {وأشهدهم على أنفسهم} ثلاثة أقوال:
أحدها: أشهدهم على أنفسهم باقرارهم، قاله مقاتل.
والثاني: دلَّهم بخلقه على توحيده، قاله الزجاج.
والثالث: أنه أشهد بعضهم على بعض باقرارهم بذلك، قاله ابن جرير.
قوله تعالى: {ألست بربكم} والمعنى: وقال لهم: ألست بربكم؟ وهذا سؤال تقرير.
قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا.
قال السدي: قوله: {شهدنا} خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته.
أنهم شهدوا على إقرار بني آدم.
ويحسن الوقف على قوله: {بلى} لأن كلام الذرية قد انقطع.
وزعم الكلبي أن الذرية لما قالت {بلى} قال الله للملائكة: {اشهدوا} فقالوا: {شهدنا}.
وروى أبو العالية عن أُبَيِّ بن كعب قال: جمعهم جميعًا، فجعلهم أزواجًا، ثم صوَّرهم، ثم استنطقهم، ثم قال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} أنك آلهنا.
قال: فاني أُشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} لم نعلم بهذا.
وقال السدي: أجابته طائفة طائعين، وطائفة كارهين تقيةً.
قوله تعالى: {ان يقولوا} قرأ أبو عمرو {أن يقولوا}، {أو يقولوا} بالياء فيهما.
وقرأ الباقون بالتاء فيهما.
قال أبو علي: حجة أبي عمرو قوله: {وإذ أخذ ربك} وقوله: {قالوا بلى}، وحجة من قرأ بالتاء أنه قد جرى في الكلام خطاب {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا}.
ومعنى قوله: {يقولوا} لئلا يقولوا، مثله: {أن تميد بكم} [لقمان: 10].
وفي قوله: {إنا كنا} قولان:
أحدهما: أنه إشارة إلى الميثاق والإقرار.
والثاني: أنه إشارة إلى معرفة أنه الخالق.
قال المفسرون: وهذه الآية تذكير من الله تعالى بما أخذ على جميع المكلَّفين من الميثاق، واحتجاج عليهم لئلا يقول الكفار: إنا كنا على هذا الميثاق غافلين لم نذكره، ونسيانهم لا يُسقط الاحتجاج بعد أن أخبر الله تعالى بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم الصادق.
وإذا ثبت هذا بقول الصادق، قام في النفوس مقام الذِّكر، فالاحتجاج به قائم. اهـ.